عرض مشاركة واحدة
قديم 28-12-2005, 06:11 PM   رقم المشاركة : 26
ابو ياسر




معلومات إضافية
  النقاط :
  الحالة :

 

افتراضي



الحلقة التاسعة : عندما توقفت عقارب الساعة!!


اقترب مني الطبيب أكثر وبدا وكأنه فهم معنى اندهاشي من الوقت .

ثم قال :
اسمع يا العائد .. أثناء إجرائنا للعملية ولسبب مجهول لا نعرفه حتى الآن انهارت رئتيك وتوقف التنفس عندك كليا!! تلاه بعد ذلك مباشرة توقف القلب فجأة وبلا سابق إنذار !!

حاولنا إنعاشك بشتى الوسائل حاولنا مرارا عن طريق التنفس الصناعي وجهاز الصدمات الكهربائية وحقن بعض الأدوية في عضلة القلب لحفزه إلى العودة للخفقان إلتف حولك الجميع في محاولة لإنقاذك لإسعافك لإعادة ضربات القلب والتنفس دون جدوى..

أعطى جهاز تنظيم ضربات القلب خطا مستقيما دلالة على أن جسدك المسجى بيننا لا يوجد فيه أي مظهر من مظاهر الحياة!!

تجمع كثير من الأطباء حولك والطاقم الطبي والتمريضي وأحطنا بجسدك إحاطة السوار بالمعصم في محاولة أخيرة لإعادتك إلى الحياة لتحريك هذا الجسد الذي أسلم الروح بيننا .. حاولنا .. وحاولنا.

لقد أجرينا الكثير من العمليات المشابهة اتخذنا كل الاحتياطات المطلوبة في مثل هذه العمليات ولكن الله أراد شيئا آخر .. قدرة الله كانت فوق علمنا واحتياطاتنا ..

استسلمنا لليأس وبدأ البعض في ذرف الدموع تأثرا وأخذ البعض الآخر في رفس بعض الأجهزة دلالة على القنوط والتذمر والعجز عن فعل أي شئ.

بدأنا في التحضير للإجراءات التي تتبع في مثل هذه الحالات ومحاولة تحديد سبب الوفاة الذي كان مجهولا بالنسبة لنا .. وأخذت أفكر في الكلمات التي سوف أقولها لإبلاغ أهلك بالوفاة رغم بساطة العملية وأخذت أتخيل كيف سيكون موقفهم وهم يشاهدون ابنهم يدخل ماشيا إلى غرفة العمليات ويخرج محمولا على الأعناق إلى المسجد للصلاة عليه ثم دفنه .. تضاربت المشاعر والأفكار في رأسي .. أنا الطبيب الذي أجرى الكثير من العمليات المشابهة بكل نجاح ثم فشل في إنقاذ شخص من براثن الموت .. تحدرت دمعة على عيني وأنا أسمع باقي الفريق الطبي العربي والأجنبي تخفت أصواتهم أمام رهبة الموت .. توقف كل شئ حولنا .. الصمت يحيط بالمكان إضاءة خافتة تبدد ظلمة الغرفة .. ولكنها بالتأكيد لا تبدد ظلمة القبر ..

حتى عقارب الساعة خيل إلينا أنها توقفت عن الدوران .. كل شيء كان يوحي بالموت والسكون والصمت الأبدي .. رفعنا أيدينا عن جسدك المستلقي بيننا .. فلقد توقف علمنا عند هذا الحد .. ورضينا بما حدث وسلمنا بقضاء الله وقدره .. وأخذ البعض يدعوا لك بالرحمة والغفران

وفجأة وبمعجزة إلهية وبلا سابق إنذار أعطى جهاز تنظيم القلب صوتا مألوفا يطرب لسماعه جميع الأطباء دلالة على عودة الحياة إليك مرة أخرى وعودة القلب إلى الانبساط والانقباض من جديد ..
هذه الانقباضات والانبساطات التي لا يشعر بأهميتها الإنسان ولا يفكر كيف أن اختفاء هذه النبضات دليل على مغادرة الحياة!!

ألجمتنا المفاجأة وعادت أصواتنا تعلوا وترتفع من جديد وتتناقل التعليمات: ضخوا الأكسجين بكمية أكبر إلى الرئة .. أعيدوا توصيل المحاليل .. أغلقوا الجرح .. تابعوا عملكم بسرعة .. ضخوا كمية كافية .. أعيدوا أنبوب التغذية الوريدية .. اضبطوا الجهاز على سرعة أبطأ .. استدعوا طبيب التخدير .. جهزوا غرفة العناية الفائقة بسرعة .. سجلوا نبضات القلب بانتظام .. معدل التنفس .. ضخوا مزيدا من الدم إلى الأوردة .. تابعوا درجة الحرارة ... تعليمات متتابعة ومجهود جبار قمنا به ونحن لا نصدق أن هذا الجسد الذي كنا بانتظار نقله إلى ثلاجة المستشفى قد عادت إليه الحياة وهو في طريقه لغرفة الرعاية الفائقة وبعدها إلى غرفته الاعتيادية وبعد عدة أيام سيخرج ماشيا على قدميه بعد أن كاد أن يخرج محمولا على الأعناق .. فسبحان من تجلت قدرته .. وكان أرحم الناس بعباده .. المتفضل عليهم بالنعم ولكن أكثر الناس لا يشكرون ..

حاولت أن أعقب على كلام الدكتور أن أتكلم .. أن أقول شيئا .. شعرت بغصة في حلقي .. نفرت الدموع من عيني .. بكيت بشدة .. أخرجت كل ما كان في صدري من انفعالات .. أجهشت بالبكاء وأنا ملقى على السرير ودموعي تغرق وسادتي وهم ينقلوني إلى غرفة النقاهة وأنا أردد في سري
الحمد لك يا رب .. الحمد لك يا رب .. أحمدك وأشكر فضلك ..

(يتبـــــع)







توقيع ابو ياسر
 
آخر تعديل ابو ياسر يوم 28-12-2005 في 06:14 PM.
  رد مع اقتباس